{الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)}قال سهل: {الم} [1] اسم اللّه عزّ وجلّ فيه معان وصفات يعرفها أهل الفهم به، غير أن لأهل الظاهر فيه معاني كثيرة، فأما هذه الحروف إذا انفردت، فالألف تأليف اللّه عزّ وجلّ ألف الأشياء كما شاء، واللام لطفه القديم، والميم مجده العظيم. قال سهل: لكل كتاب أنزله اللّه تعالى سر، وسر القرآن فواتح السور، لأنها أسماء وصفات، مثل قوله: «المص، الر، المر، كهيعص، طسم، حم عسق» فإذا جمعت هذه الحروف بعضها إلى بعض كانت اسم اللّه الأعظم، أي إذا أخذ من كل سورة حرف على الولاء، أي على ما أنزلت السورة وما بعدها على النسق: «الر» و«حم» و«نون» معناه الرحمن. وقال ابن عباس والضحاك: «الم» معناه: أنا اللّه أعلم. وقال علي رضي اللّه عنه: هذه أسماء مقطعة، إذا أخذ من كل حرف حرف لا يشبه صاحبه فجمعن كان اسما من أسماء الرحمن إذا عرفوه ودعوا به كان الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. وقال سهل: {الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ} [1- 2] الألف اللّه، واللام العبد، والميم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم كي يتصل العبد بمولاه من مكان توحيده واقتدائه بنبيه. وقال سهل: بلغني عن ابن عباس أنه قال: أقسم اللّه تعالى أن هذا الكتاب الذي أنزل على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم هو الكتاب الذي هو من عند اللّه تعالى فقال: {الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ} الألف اللّه، واللام جبريل عليه السلام، والميم محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فأقسم اللّه تعالى بنفسه وجبريل ومحمد عليهما السلام. وقال: إن اللّه تعالى اشتق من اسمه الأعظم الألف واللام والهاء، فقال: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ} [القصص: 30] واشتق لهم اسما من أسمائه فجعله اسم نبيه صلّى اللّه عليه وسلّم، وآخر من اسم نبيه آدم عليه السلام فقال: {ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ} [محمد: 11] إلّا الطاغوت أي الشيطان.ومعنى: {لا رَيْبَ فِيهِ} [2] أي لا شك فيه. {هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [2] أي بيانا للمتقين، والمتقون هم الذين تبرؤوا من دعوى الحول والقوة دون اللّه تعالى، رجعوا إلى اللجا والافتقار إلى حول اللّه وقوته في جميع أحوالهم، فأعانهم اللّه ورزقهم من حيث لا يحتسبون، وجعل لهم فرجا ومخرجا مما ابتلاهم اللّه به. قال سهل: حول اللّه وقوته فعله، وفعله بعلمه، وعلمه من صفات ذاته. وحول العبد وقوته دعواه الساعة وإلى الساعة، والساعة لا يملكها إلّا اللّه تعالى، فالمتقون الذين يؤمنون بالغيب فاللّه هو الغيب ودينه الغيب، فأمرهم اللّه عزّ وجلّ أن يؤمنوا بالغيب وأن يتبرؤوا عن الحول والقوة فيما أمروا به ونهوا عنه اعتقادا وقولا وفعلا ويقولوا لا حول لنا عن معصيتك إلا بعصمتك، ولا قوة لنا على طاعتك إلّا بمعونتك، إشفاقا منه عليهم، ونظرا لهم من أن يدعوا الحول والقوة والاستطاعة كما ادعاها من سبقت له الشقاوة، فلما عاينوا العذاب تبرؤوا من ذلك، فلم ينفعهم تبرؤهم حين عاينوا العذاب، وقد أخبر اللّه عمن هذا وصفهم في قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ} [غافر: 85] أي دعواهم، {لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا} [غافر: 85] {فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} [الأعراف: 5] وكما ادعى الحول والقوة والاستطاعة فرعون وقال: متى شئت إني أؤمن، فلما آمن لم يقبل منه، قال اللّه تعالى: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ} [يونس: 91].قوله: {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ} [3] قال سهل: إن اللّه تعالى وصف بذلك من جبله بجبلّة متعلقا بسبب من سببه غير منفك عن مراقبته، وهم الذين لم يختاروا قط اختيارا، ولا أرادوا شيئا دونه، ولا اختيارا دون اختياره لهم كما اختاره لهم، ولا أرادوا شيئا منسوبا يغنيهم عنه، ومن غيره هم مبرؤون. قال أبو بكر: قيل لسهل: لقد آتاك اللّه الحكمة، فقال: قد أوتيت، إن شاء اللّه، الحكمة، وغيبا علمت من غيب سره، فأغناني عن علم ما سواه. {وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى} [النجم: 42] وبإتمام ما بدأني به من فضله وإحسانه.